إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
53644 مشاهدة
فضائل الصحابة في القرآن والسنة

...............................................................................


فضائل الصحابة مشتهرة في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية مجملة ومفصلة، فثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم يقول عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة؟ فجعل هذا الفضل لقرنه الذين هم الصحابة، وروي عنه أنه قال لأصحابه: أنتم خير من أبنائكم، وأبناؤكم خير من أبنائهم .
فجعل الصحابة خيرا من أبنائهم؛ وذلك لأنهم حازوا قصب السبق؛ لأنهم حازوا فضل الصحبة التي لا تحصل لغيرهم صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم الذين بادروا إلى تصديقه؛ سيَّما الذين أسلموا بمكة بادروا إلى تصديقه -صلى الله عليه وسلم- ثم هاجروا أيضا؛ هاجروا من مكة إلى المدينة وتكبدوا المشاق .
وهاجر أيضا بعضهم قبل ذلك من مكة إلى الحبشة وقطعوا المسافات الطويلة، وفارقوا أولادهم، وفارقوا بلادهم، وفارقوا أموالهم وديارهم كل ذلك فرارا بدينهم صبروا على الغيبة، وصبروا على الغربة، كل ذلك فرارا بدينهم .
أليس ذلك دليلا على أنهم محقون، وعلى أنهم على الهدى؟ ومنهم عثمان -رضي الله عنه- كان من المهاجرين إلى الحبشة أفيقال: إنه ارتد، وبطل عمله كله، وبطلت فضائله؟! لا شك أن هذا تكذيب لله تعالى، وتكذيب لتلك الفضائل وإبطال لها .
ثم نتأمل أيضا الآيات القرآنية التي تفصح بفضل الصحابة -رضي الله عنهم- فمنها قول الله تعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
مدحهم بست فضائل لا تحصل لغيرهم، لما انطبقت هذه على أبي بكر وعمر وعثمان وبقية الصحابة الذين بالمدينة .
لما ارتدت الأعراب الذين حولهم ثبتوا؛ فوصفهم الله تعالى بالصفة الأولى أنه يحبهم، وما أعظمها من فضيلة، والصفة الثانية: أنهم يحبونه، والصفة الثالثة: أنهم أذلة على المؤمنين يعني متواضعين لأهل الإيمان، والصفة الرابعة: أنهم أعزة على الكافرين يعني أنهم غيورون عن الكفر، ثم وصفهم خامسا: بأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، والصفة السادسة: أنهم يجاهدون وهذه لا تحصل لغيرهم يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
لا شك أنه يوجد من جاهد بعدهم، ولكن أولئك امتازوا بهذا الجهاد، وبأنهم لا يخافون لومة لائم، وبأنه يحبهم ويحبونه وبأنهم أعزة على الكافرين، ومتواضعون للمؤمنين .
كذلك أيضا وصفوا في سورة الأنفال قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ .
هذه تنطبق على أولئك الصحابة؛ فإنهم آمنوا، وهاجروا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وآووا ونصروا الذين آووا ونصروا هم الأنصار رضي الله عنهم، كذلك أيضا مدحهم الله في سورة التوبة بقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .
قسمهم إلى ثلاثة أقسام:
المهاجرون الذين هاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة والأنصار الذين في المدينة والذين ناصروا الله ورسوله، والذين جاءوا من بعدهم؛ الذين أسلموا من بعدهم كلهم، وعدهم الله تعالى خيرا، وأخبر بأنه أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ .
وكذلك أخبر أيضا بفضلهم في قوله تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ وهم نحو أربعين ألفا؛ الذين غزوا معه في غزوة العسرة التي هي غزوة تبوك، أفيقال إن هؤلاء الأربعين ألفا كلهم هؤلاء ارتدوا ومنهم أبو بكر و عمر و عثمان وبقية الصحابة؟ .
لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى عرف لهم فضلهم، وذكر فضائلهم حتى يعرف من بعدهم بأنهم خير الأمة، وأنهم خير قرون الأمة، وأن هذه الأمة هي أفضل الأمم، وأن أفضلها هم الصحابة الذين حازوا قصب السبق، والذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم .
كذلك أيضا الآيات كثيرة في فضائلهم مثل قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فالذين بايعوه نحو ألف وأربعمائة؛ بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة أخبر بأنه رضي عنهم .
وكذلك أيضا قول الله تعالى في سورة الحشر: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ .
لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى صدقهم الفقراء المهاجرون أخرجوا من ديارهم تركوا ديارهم، وتركوا أموالهم، وتركوا بلادهم وعشائرهم لماذا؟ محبة في الله تعالى، وفرارا بدينهم، ومحبة للإسلام، ومحبة لظهوره، وليتمكنوا من عبادة الله سبحانه وتعالى، أفيقال: إن هذا كله بطل، وقد حُفظ القرآن الذي ينص على فضائلهم؟ .
ثم قال بعد ذلك: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ هؤلاء هم الأنصار، فالأنصار رضي الله عنهم الذين آووا ونصروا يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا إذا أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين شيئا من الفيء أو من الغنائم ما عارض في ذلك الأنصار؛ بل يرضون بما أعطاهم الله؛ وذلك لأنهم أهل البلد؛ ولأنهم أهل الأموال .
فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه شيء من الغنائم، أو من الفيء، أو من الخمس يعطي المهاجرين لشدة حاجتهم؛ لأنهم تركوا بلادهم وتركوا أموالهم، وتركوا تجاراتهم، وتركوا ثرواتهم، وهاجروا لله ورسوله، ونزل فيهم قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ .
أحدهم إذا جاء ليهاجر جاء إليه المشركون وقالوا: لا تخرج بشيء من مالك فيقول: أشتري نفسي بمالي، الأموال التي عندي كلها لكم خلصوني، اتركوني أنجُ بنفسي، فنزل فيهم: مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ يعني: ابتغاء رضوان الله يشترون أنفسهم .
ونزل فيهم أيضا قول الله تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ يعني: الذين يقاتلون الذين يشترون الحياة الدنيا أي: قاتلوا الذين يشترون الدنيا بالآخرة، من الذين قاتلهم؟ هم الصحابة .
كذلك جاءت السنة بفضائلهم، وذكرنا أن العلماء كتبوا في فضائلهم واحدا واحدا، مما يدل على شهرة تلك الفضائل في الأحاديث النبوية مجملة ومفصلة، من رجع إليها اقتنع بصحتها .
وكل تلك الفضائل يدعي الرافضة أنها بطلت بردتهم -في زعمهم- وأين تلك الردة؟ ما ذكروا ردة إلا في زعمهم أنهم كتموا الوصية التي هي وصية لعليّ بأنه يكون الخليفة .
فالحاصل أن الشيخ -رحمه الله- يقول:
حب الصحابة كلهـم لي مذهب
............................
أي: كل الصحابة نحبهم وننزههم عن الكذب؛ ولهذا علماء الحديث يقولون: الصحابة كلهم عدول، لا يتهم أحد منهم بأنه كذب على الله أو كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله تعالى عدلهم في هذه الآيات: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ هذا تزكية من الله تعالى لهم، فإذا كانوا كذلك فإننا نحبهم، ونعترف بفضلهم .
ثم يقول رحمه الله:
.............................
ومودة القـربـى بهـا أتوسل